قصة نجاح الدكتور غازي القصيبي
الدكتور غازي القصيبي، من السهل أن تكون شخصًا ناجحًا في حياتك العلمية أو المهنية
ولكن من الصعب أن تكون أديبًا وروائيًا وشاعرًا ووزيرًا لأكثر من حقيبة وزارية وأيضا سفيرًا دبلوماسيًا ناجحًا ومتئلقًا طيلة فترة حياتك
فهذه التركيبة النادرة لا يصل إليها إلا قلة قليلة من الناس
و هي الوحيدة القادرة علي صنع شخصية استثنائية مثل الدكتور غازي القصيبي.
رحلة نجاح الدكتور غازي القصيبي المميزة هي التي صنعت هذه الشخصية الفريدة التي جمعت بين الحنكة السياسية و الإبداع الادبي
وكانت هذه الرحلة علي مدار أكثر من 70 عام من العطاء المستمر حتي أخر لحظات حياته
حيث وافته المنيه في عام 2010 وهو يحمل حقيبة وزارة العمل، ليرحل بذلك عن عالمنا
و يترك لنا قصة نجاح فريدة تتعلم منها أجيال وأجيال علي مرة العصور
ونعرض لكم في هذا المقال أبرز محطات هذه الرحلة.
نشأة الدكتور غازي القصيبي
ولد الدكتور غازي القصيبي في 2 مارس عام 1940، ولد بمدينة الإحساء بالمملكة العربية السعودية، يصف الشاعر طفولته بالكئيبة علي حد قوله حيث توفت والدته فور ولادتها لهُ
وعاش مع جدته لأمه التي كانت لينة في التعامل، و علي النقيض من ذلك كان لديه والد صارم يتبع نهج شديد قي التربية
فـ على سبيل المثال كان الخروج لشارع ممنوعًا، و لكن المدهش أن هذا التضارب في نمط التربية التي تعرض لها القصيبي شكل إنعكاسًا إجابيًا علي غير العادة
أثر بشكل مباشر علي حياته المهنية فيما بعد، و خرج من هذه التجربة
بمبدأ «السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة.»
التعليم
كانت رحلة تعليم الدكتور غازي القصيبي مميز أيضا مثل نشأته
حيث أنه تنقل كثيرًا في رحلته التعليمه، مما جعله يتعرض لـ كثير من الثقافات و العادات و التقليد المختلفة في سن صغير
و هو ما ساهم بشكل كبير في تكوين شخصية منفتحة على العالم، حيث قضي الفترة من الصف السابع إلي البكالورية (الصف الإعدادي و الثانوي) في المنامة بالبحرين، ثم حزم أمتعته بعد إنتهاءِه من الثانوية
توجه لمصر تحديدًا إلي قاهرة المعز ليحصل فيها علي إجازة في القانون من جامعة القاهرة، ليعود بعدها مباشرًا إلي أرض الوطن المملكة العربية السعودية
كان يطمح لإكمال دراسته في الخارج، و تسبب هذا الطموح في رفضه لوظيفة قد يراها البعض فرصة ذهبية في بداية الحياة العملية
وهي وظيفة مدير عام الإدارة القانونية بوزارة البترول و الثروة المعدنية (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية حاليا)، و لكنه تركها
توجه في 1962 إلي الولايات المتحدة الأمريكية و تحديد إلي لوس أنجلوس
وقضي هناك 3 سنوات إنتهت بحصوله علي الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا
و قد حصل علي منصبًا إداريًا للمرة الأولى في حياته
وذلك بعد فوزه بأغلبية ساحقة في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة
وفي النهاية حصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن البريطانية عبر أطروحة قدمها عن اليمن عام 1971.
المناصب التي تولاها
- تولي الدكتور غازي القصيبي منصب أستاذ مساعد في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود في الرياض في الفترة 1965 – 1385هـ
- تولي منصب مستشار قانوني في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران (وزارة الدفاع حاليا).
- وأيضا مستشار قانوني في كل من وزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
- نال منصب عميد كلية التجار في جامعة الملك سعود في الفترة 1971 – 1391هـ.
- بعدها أصبح مدير المؤسسة العامة للسكة الحديدية في الفترة 1973 – 1393هـ.
- نال أول حقيبة وزارية حيث أصبح وزير الصناعة والكهربا في الفترة 1976 – 1396هـ.
- ثم نال الحقيبة الوزارية الثانية، و هي وزارة الصحة في الفترة 1982 – 1402هـ.
- ليصبح بعدها سفير السعودية في البحرين في الفترة 1984 – 1404هـ.
- ومن ثم سفير السعودية في بريطانيا في الفترة 1992 – 1412هـ.
- ليعود بعدها ليصبح وزير المياه و الكهرباء2003 – 1423هـ .
- وأخيرا وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية2005 – 1425 هـ.
سر نجاحات الدكتور غازي القصيبي المتتالية
لعلك الآن تتسأل كيف نجح الدكتور غازي القصيبي في الجمع بين كل هذه المناصب السياسية المرموقة و التي بلا شك تحتاج الكثير من الوقت و المجهود و التركيز، وبين حبهِ الأدب وتميزه فيه
وأصدار أكثر من 70 عمل أدبي يتنوع بين دواوين شعر و قصائد و رويات وأيضا مؤلفات إدارية
بالإضافة إلي كونِه أب لـ 4 أطفال و عائل أسر في المقام الأول
و لعل كلمة السر في كل هذا النجاحات هي النظام الصارم في تنظيم الوقت، حيث كان _رحمة الله عليه_ يقدس الوقت، و شديد التدقيق في مواعيده
بالإضافة إلي حزمه الشديد في الفصل التام بيبن عمله و بين أسرته
فقد كان يأبى أن يتحول بيته إلي مكتب، لذلك كان يرفض أن يستقبل شكاوي من المواطنين في منزله
و كان يخصص ساعة ليستقبل فيها المواطنين لعرض شكواهم في مكتبه دون ميعاد مسبق
حيث كان يؤمن بسياسة الباب المفتوح و لكنه لا يؤمن بسياسة الباب المخلوع.
أما عن نجاحه في الحصول علي الكثير من الحقائب الوزارية، فكان عن طريق إتباع سياسة تميز بها
و هو مبدأ التفويض حيث فوض كل صلاحيات الوزير المالية والإدارية للوكيل، وبهذا يصبح لديه متسع من الوقت للتفكير والتخطيط وأيضا للقراءة
ولضمان نجاح فكرة التفويض قام الدكتور غازي القصيبي بعمل إجتماع صباحي يومي مع وكلاء الوزارة لعرض توجيهاته
بحيث لا يصدر أي قرار لا يتمشي مع هذه التوجيهات، و كان يوضع أمامه ملف يومي يتضمن جميع القارات الصادرة من الوكلاء لضمان إلتزام الوكلاء بتنفيذ توجهاته.
وفاته
توفي الدكتور غازي القصيبي يوم الأحد 15 أغسطس عام 2010 الموافق 5 رمضان عام 1431 هـ، عن عمر ناهز السبعين عامًا،
وهو يحمل حقيبة وزارة العمل، بعد رحلة مرض طويلة
حيث إجري عملية جراحية في الرياض كشفت عن إصابة متقدمة بسرطان القولون
و في النهاية توفي في مستشفي الملك فيصل التخصصي، ودفن في مقبرة العود بالرياض.
ليرحل عن عالمنا بجسده و يظل متواجد معانا بمؤلفاته المتميزة و العصرية التي أثرى بها العالم
وتبقي مكانته في قلوب كل من تعرفه عليه وتعامل معه، أو حتي قرأ قصة نجاحه الملهمة، ليظل بهذا أسطورة سياسية لا تنسي.
Comments are closed.